"تمنيت أن أعيش زمني المنقضي ،وتناسيت أن أعانق الحاضر ،وعندما دنت الشمس من المغيب، أيقنت أنني كنت أعيش لذة وداع الأشياء.فتمنيت من جديد أن أوقف رحيل الأيام، لأعانق كل الفصول بحياتي، لهذا أردت أن تشاركوني لحظة التحول بحياتي. "
عشت دوما زمن الماضي ،ولم أفكر بمعانقة الحاضر،بكيت لأجل الراحلين في حياتي ،ولم أعانق أبدا من كانوا معي طوال الوقت .تناسيت أن أرى وجهي في المرآة لزمن، وعندما أمعنت النظر فيها، راحت عيناي تبحثان عن صورتي قبل سنوات، عن صوتي المتعثر كقدماي ،عن فستان العيد، ومجالس الشاي مع الجدة ،عن حكايتها المغروسة في ،والمغروسة أنا فيها ،عن فرح منقضي ،وعن جرح غائر تركته هناك ،كي لا يؤلمني من جديد..... بحثت كثيرا عن وجهي اليوم كيف أصبح،فلم أرى غير صورة مشوشة ،و دموعي تحفر خندقا على وجهي ،كلما حاولت التذكر، ابتساماتي مصلوبة على جدار الزمن، ذاتي حائرة بين الأمس واليوم ،أقف عند مفترق الطرق ،و كلما حاولت أن أخطوا نحو الحاضر، تعيدني قدماي إلى الماضي، وكلما عدت إلى الماضي، تطردني أطيافه منه ،سألت ذاتي الحائرة أين أنا؟
صمتت طويلا ،حتى كاد صمتها أن يقتل جوابي، وردت .لو أنني عرفت جوابا لسؤالك ،لما بقيت طوال العمر أبحث عن مكان لي ما بين الأمس واليوم.
سألت دموعي أين أنا؟
راحت تزحف فوق وجهي أكثر فأكثر وردت أنا أيضا أبحث عنك مند زمن وأخاف أن أجف قبل أن أجدك
سألت ابتساماتي أين أنا؟
ردت. كنت يوما هناك ،عانقتني لأيام ،وعانقتك لأيام، وبعدها، تخليت عني، سألتك مرارا لماذا فعلت ذلك ؟لكنك فضلت الصمت، وتركتني لليوم أبحث عنك ،كي أستريح من جديد.
سألت صورتي المنعكسة أمامي أين أنا؟ أين أصبحت بعد كل هذه السنين؟أجابتني لست أدري !!فقد غطاني غبار الزمن، وتاهت مني ملامحك.
راحت أناملي تمسح غبار الزمن عن مرآتي، لأرى فيها وجهي بوضوح ،إعترضتني صور من الماضي، صوت الجدة مازال يسكنني، سألت عنها زمني الهارب مني، أين هي اليوم؟ سكت صوتي بداخلي ،وعصفت بي رياح الحزن، مسحت دموعي خيالها المرسوم في المكان ،أعدت سؤالي عليه هل رحلت؟؟صوتي يرد مند زمن بعيد رحلت، سكت صوتها وماتت حكايتها، نضرت للفراغ من حولي، هناك كنت أجري، هناك كنت ألعب ،هناك كنت أضحك ،هناك عانقت أولى اللحظات في حياتي، أول حب، أول لقاء، أول فرح ،أول كلمة ، أول خصام، أول دمعة ،أول حزن، و أول خطوة نحو طرق متعددة، كثرة الصور من حولي، بعضهم أمسك بيدي، والبعض منهم تخلى عني، سألت أولئك الذين رفضوا أن يمسكوا بيدي ،لماذا تخليتم عني ؟صدى صوتهم أسمعه من بعيد، لكنه لا يصل إلي، سألت أولئك الذين يمسكون بيدي، لماذا تخلى عني أولئك؟ سكتوا. وقبل أن أسمع صوتهم ،بدأ البعض منهم يطلق سراح يدي ويرحل، أجابني من بقي معي، أرأيت أولئك الذين رفضوا أن يمسكوا بيدك اليوم، كانوا بالأمس هنا، يمسكون بيدك كما نفعل اليوم،لكنك كنت دوما تتجاهلينهم وتسألين عن أولئك الذين رحلوا، يوما دون أن يلقوا عليك كلمات الوداع، فرحلوا بدورهم دون وداعك، أمسكت بيد من بقي معي ،وطلبت منهم أن يغفروا لي ذنب صمتي طوال هذه السنين، دون أن أقول لهم كم أحببت وجودهم في حياتي ،سألوني عن أيامي، لما أقفلت صفحات كتابها؟ ضحكت من سؤالهم، وأجبتهم لم أقفل صفحات أيامي بعد .نظروا باستغراب إلي ،وقالوا حدثينا عن سطورك إذن، ماذا دونت فيها.؟ أجبتهم في بداية السطر كتبت، أشتاق لأيامي هناك، لكل من كان معي يوما، ولم يعد معي اليوم، لأيام غرست بداخلي،لن تنسيني إياها الأيام، أوقفوني قبل أن أتمم قراءة سطوري، وقالوا. ألم نقل لك أنك أقفلت صفحات أيامك، سألتهم باستغراب كيف فعلت ذلك ؟ !!أجابوني ،لأنك أبدا لم تستطيعي أن تعيشي يومك، لقد عشت أيام ماضيك المنتهي هناك ،ونسيت أن تعانقي حاضرك، لملمت أوراق شجرتك المتساقطة ،ونسيت أن تروي جذورها التي أوشكت على التيبس ،عانقت صور الأموات ،ونسيت أن تعانقي الأحياء من حولك، جريت نحو الماضي، ونسيت أن قطار الحياة أبدا لا ينتظر أيا منا ،لقد أكل الزمن من جسدك،أخد منك أعواما وأعوام، وأنت ماذا أخذت منه ؟نظرت حولي ،وقفت أمام مقابر ذكرياتي المنسية ،وأجبتهم أخذت منه هؤلاء، أخذت منه ذكرياتي،أخذت منه شريط حياتي المتسارع نحو النهاية، أخذت منه سعادتي التي تولد للحظات، وجراحي النازفة في كل آن،أخذت منه ما لم يأخذه غيري جذوره الشائكة ،بعدما قطفوا الورود منه،أخذت منه أناي الحالمة بعودة الزمن. أيديهم ما زالت دافئة بيدي، دموعهم تسارعت قبل أن تفر دموعي مني، سألوني أما زلت ستنتظرين عودة أخرى لزمن منقضي؟ أما زلت ستحلمين بفاتح جديد يعيد فتح أبواب مدنك المنسية؟هل ستعيشين على الدوام مابين الأمس واليوم؟احتار فكري، وهربت مني الكلمات، فقد عشت زمني هناك، وطويت صحفه، كيف أمكنني أن أبقى مختبئة بين سطوره كل هذه الأعوام، نظرت لمرآتي بعدما غسلتها الدموع ،رأيت ملامح وجهي من جديد فيها، أنا هنا اليوم، ليس مهما أن أعيش الماضي ليعودوا من كانوا بحياتي بالأمس، فمن كانوا بالأمس، مازال البعض منهم معي ،لكن الأمس لم يبقى معي ،سألت ذاتي من جديد ،أما زلت حائرة؟ أجابتني. كنت حائرة عندما كنت أعيش ما بين زمنين، لكنني اليوم سأهرب من معتقل ذاكرتك ،لأمحى سطورا وأكتب سطور، لأتعلم من جديد كيف أقطف الورود. سألت ابتساماتي هل ستعانقينني من جديد؟أجابت كنت دوما معك، أحلم كما كنت تحلمين بعودة أخرى للزمن، كي أعانقك من جديد .
سألت دموعي هل ستزورين مرقدي، كما كنت تفعلين كل ليلة. ؟حفرت مكانا لها بخدي وأجابت .سأكون بالقرب منك ساعة الفرح ،وسأجد لنفسي مكانا بحياتك حتما ..
سألت صورتي المنعكسة أمامي هل عرفت الآن من أكون؟
أجابت أنت من كنت بالأمس ألاحقك ،لكنك فضلت أن تلاحقي غيري ،أنت من كنت أسألك كل يوم عن جديدك، فتجيبين لا جديد تحت الشمس ، أنت من كنت تطاردين الصور وتعيدين قراءة السطور على الدوام ،أنت المسجونة خلف أسوار الذكريات، وأنت اليوم من هربت بعيدا عنها لتفكي قيد نفسك، لتعيدي رسم ملامحك من جديد .....نعم أنت هي الهاربة من معتقل الذاكرة.
